سورة المزمل - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المزمل)


        


{إن لك في النهار سبحاً طويلاً} أي تصرفاً وتقلباً وإقبالاً وإدباراً في حوائجك واشتغالك. وقيل فراغاً وسعة لنومك وتصرفك في حوائجك أفضل من الليل {واذكر اسم ربك} أي بالتوحيد والتعظيم والتقديس والتسبيح {وتبتل إليه تبتيلاً} قال ابن عباس أخلص إليه إخلاصاً وقيل تفرغ لعبادته وانقطع إليه انقطاعاً والمعنى بتل إليه نفسك واقطعها عن كل شيء سواه. وقيل التبتل رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله. وقيل معناه وتوكل عليه توكلاً واجتهد في العبادة وقيل يقال للعابد إذا ترك كل شيء وأقبل على العبادة قد تبتل أي انقطع عن كل شيء إلا من عبادة الله وطاعته.
فإن قلت كيف قال تبتيلاً مكان تبتلاً ولم يجيء على مصدره؟
قلت جاء تبتيلاً على بتل نفسك إليه تبتيلاً فوقع المصدر موضع مقارنة في المعنى ويكون التقدير وبتل نفسك إليه تبتيلاً فهو كقوله والله أنبتكم من الأرض نباتاً، وقيل لأن معنى تبتل بتل نفسك فجيء به على معناه مراعاة لحق الفواصل. وقيل الأصل في تبتل أن يقال تبتلت تبتيلاً وتبتلت تبتيلاً فتبتيلاً محمول على معنى بتل إليه تبتيلاً وقيل إنما عدل عن هذه العبارة لدقيقة لطيفة وهي أن المقصود إنما هو التبتل فأما التبتيل فهو تصرف والمشتغل بالتصرف لا يكون متبتلاً إلى الله تعالى لأن المشتغل بغير الله لا يكون منقطعاً إليه إلا أنه لا بد من التبتيل حتى يحصل التبتل فذكر أولاً التبتل لأنه المقصود وذكر التبتيل ثانياً إشعاراً بأنه لا بد منه {رب المشرق والمغرب} يعني أن التبتل والانقطاع لا يليق إلا لله تعالى الذي هو رب المشرق والمغرب {لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً} أي فوض أمرك إليه وتوكل عليه. وقيل معناه اتخذ يا محمد ربك كفيلاً بما وعدك من النصر على الأعداء {واصبر على ما يقولون} أي من التكذيب لك والأذى {واهجرهم هجراً جميلاً} أي واعتزلهم اعتزالاً حسناً لا جزع فيه وهذه الآية منسوخة بآية القتال.


{وذرني والمكذبين} أي دعني ومن كذبك لا تهتم به فإني أكفيكه {أولي النعمة} أي أصحاب النعم والترفه نزلت في صناديد قريش المستهزئين وقيل نزلت في المطعمين ببدر {ومهلهم قليلاً} يعني إلى يوم بدر فلم يكن إلا يسير حتى قتلوا ببدر. وقيل أراد بالقليل أيام الدنيا ثم وصف عذابهم فقال تعالى: {إن لدينا} أي عندنا في الآخرة {أنكالاً} يعني قيوداً عظاماً ثقالاً لا تنفك أبداً وقيل أغلالاً من حديد {وجحيماً وطعاماً ذا غصة} أي غير سائغ في الحلق لا ينزل ولا يخرج وهو الزقوم والضريع {وعذاباً أليماً} أي وجيعاً {يوم ترجف الأرض والجبال} أي تتزلزل وتتحرك وهو يوم القيامة {وكانت الجبال كثيباً مهيلاً} يعني رملاً سائلاً وهو الذي إذا أخذت منه شيئاً يتبعك ما بعده {إنا أرسلنا إليكم} يعني يا أهل مكة {رسولاً} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {شاهداً عليكم} أي بالتبليغ وإيمان من آمن منكم وكفر من كفر {كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً} يعني موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، قيل إنما خص فرعون وموسى بالذكر من بين سائر الأمم والرسل لأن محمداً صلى الله عليه وسلم آذاه أهل مكة واستخفوا به لأنه ولد فيهم كما أن فرعون ازدرى بموسى وآذاه لأنه رباه {فعصى فرعون الرسول فأخذناه} أي فرعون {أخذاً وبيلاً} أي شديداً ثقيلاً يعني عاقبناه عقوبة غليظة، خوَّف بذلك كفار مكة ثم خوَّفهم يوم القيامة فقال تعالى: {فكيف تتقون إن كفرتم} أي كيف لكم بالتّقوى يوم القيامة إن كفرتم أي في الدنيا، المعنى لا سبيل لكم إلى التّقوى إذا وافيتم القيامة. وقيل معنى الآية فكيف تتقون العذاب يوم القيامة، وبأي شيء تتحصنون من عذاب ذلك اليوم، وكيف تنجون منه إن كفرتم في الدّنيا {يوماً يجعل الولدان شيباً} يعني شيوخاً شمطاً من هول ذلك اليوم وشدته وذلك حين يقال لآدم عليه الصّلاة والسّلام قم، فابعث بعث النار من ذريتك.
(ق) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول الله عز وجل يوم القيامة: يا آدم فيقول لبيك وسعديك» زاد في رواية «والخير في يديك فينادى بصوت إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعث النّار قال يا رب، وما بعث النار؟ قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، فحينئذ تضع الحامل حملها، ويشيب الوليد وترى النّاس سكارى، وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، فشق ذلك على الناس حتى تغيرت وجوههم قالوا: يا رسول الله أينا ذلك الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج تسعمائة وتسعاً وتسعين ومنكم واحد ثم قال: أنتم في الناس كالشعرة السوداء في جنب الثّور الأبيض، أو كالشّعرة البيضاء في جنب الثّور الأسود، وفي رواية كالرّقمة في ذراع الحمار، وإني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبرنا ثم قال: ثلث أهل الجنة فكبرنا ثم قال شطر أهل الجنة فكبرنا».


{إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي اللّيل} أي أقل من ثلثي الليل {ونصفه وثلثه} أي تقوم نصفه وثلثه {وطائفة من الذين معك} يعني المؤمنين، وكانوا يقومون معه الليل {والله يقدر اللّيل والنّهار} يعني أن العالم بمقادير الليل والنهار وأجزائهما وساعاتهما هو الله تعالى. لا يفوته علم ما يفعلون، فيعلم القدر الذي يقومون من اللّيل والذي ينامون منه. {علم أن لن تحصوه} يعني أن لن تطيقوا معرفته على الحقيقة. قيل قاموا حتى انتفخت أقدامهم، فنزل: علم أن لن تحصوه أي لن تطيقوه، قيل كان الرجل يصلي الليل كله مخافة أن لا يصيب ما أمر الله به من القيام فقال تعالى: {علم أن لن تحصوه} أي لن تطيقوا معرفة ذلك {فتاب عليكم} أي فعاد عليكم بالعفو والتخفيف، والمعنى عفا عنكم ما لم تحيطوا بعلمه ورفع المشقة عنكم {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن} فيه قولان:
أحدهما: أن المراد بهذه القراءة. القراءة في الصلاة، وذلك لأن القراءة أحد أجزاء الصّلاة، فأطلق اسم الجزء على الكل، والمعنى فصلوا ما تيسر عليكم. وقال الحسن: يعني في صلاة المغرب والعشاء، قال قيس بن أبي حازم: صليت خلف ابن عباس بالبصرة فقرأ في أول ركعة بالحمد، وأول آية من البقرة، ثم قام في الثانية، فقرأ بالحمد والآية الثانية من البقرة، ثم ركع فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فقال: إن الله تعالى يقول فاقرؤوا ما تيسر منه، وقيل نسخ ذلك التّهجد، واكتفي بما تيسر ثم نسخ ذلك أيضاً بالصّلوات الخمس وذلك في حق الأمة وثبت قيام اللّيل في حقه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {ومن اللّيل فتهجد به نافلة لك}.
القول الثاني: أن المراد بقوله فاقرؤوا ما تيسر من القرآن دراسته، وتحصيل حفظه وأن لا يعرض للنسيان، فقيل يقرأ مائة آية ونحوها، وقيل إن قراءة السورة القصيرة كافية. روى البغوي بإسناده عن أنس رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ خمسين آية في يوم وليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين، ومن قرأ مائتي آية، لم يحاججه القرآن يوم القيامة، ومن قرأ خمسمائة آية كتب له قنطار من الأجر» وذكره الشّيخ محيي الدّين في كتابه الأذكار ولم يضعفه وقال: في رواية: «من قرأ أربعين آية بدل خمسين وفي رواية عشرين» وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألم أخبر أنك تصوم الدهر، وتقرأ القرآن كل ليلة قلت بلى يا رسول الله، ولم أرد بذلك إلا الخير قال فصم صوم داود وكان أعبد النّاس واقرأ القرآن في كل شهر مرة قال قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك قال فاقرأه في كل عشر قال: قلت يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك قال فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك».

1 | 2